عربى و دولىغير مصنف

ذكريات حرب اكتوبر الجزء السادس والأخير دكتور اسامه حمدى

شهادة للتاريخ والذاكرة الممسوحة…!!!

المقال السادس والأخير
في سلسلة الطريق الى اكتوبر: شهادة للتاريخ والذاكرة الممسوحة…!!!
“معركة المنصورة الجوية بطولة غيرت مسار الحرب”…!
لمن لا يعرف فإن يوم ١٤ أكتوبر كان يومًا فارقًا بحق بين النصر والهزيمة ولنا أن نتخيل لو أن سيناريو ١٩٦٧ تكرر بضرب اكبر مطاراتنا العسكرية والواقع في شاوة بجوار المنصورة كيف كان سيصبح حالنا؟ لذا هجم العدو عليه بأكبر عدد من الطائرات في تاريخ الحروب مجتمعة وهو ١٦٠ طائرة وهو اكثر من ثلثى ما كان يملك وقتها من الطائرات !!! ولحظي كنت شاهد عيان على هذه المعركة من أول دقيقة فيها وحتى نهايتها. فمع كل صفارة إنذار كنّا نغلق النوافذ الزرقاء وننزل الى أسفل بدروم عمارتنا الذي يسكنه بواب العمارة عم عبد الجبار. ولكن في هذا الْيَوْمَ الفريد قررت مجازفًا الصعود الى السطوح مع بعض الأصدقاء لأرى المعركة الجوية وكأن القدر أعد لي مشهدًا لا يمكن أن يتكرر في تاريخنا الحديث وكنت لا أعرف وقتها أهميته حتى ادركته لاحقًا.
كانت الساعة ٣:١٥ ظهرًا من يوم الأحد ١٤ أكتوبر ١٩٧٣ وكانت السماء صافية تمامًا وكأن القدر أعد لنا مسرحًا رائعًا نحن جلوسًا في صفوفه الأمامية. لا أعرف ما سبب تهوري الشديد في هذا الْيَوْمَ لأصعد الى السطوح رغم تحذيرات والدتي وصراخها “حتقتلوا نفسكم انزلوا بسرعة”! ولكن كان داخلي رغبة عارمة في أن أرى الطائرات وهى تغير وتقذف وتتعارك. في صباح هذا اليوم أخبرنا الراديو الذي كنا لا نفارقه لحظة أن جيشنا قد دمر لواءًا للمدرعات عن بكرة أبيه وقتل قائده. ولكن يبدو أن العدو كان قد عقد العزم على أن يحسم المعركة لصالحه في هذا اليوم كما فعل في ٦٧ وذلك بتدمير السلاح الجوي المصري كى يعث في الارض فسادًا بلا رادع من طائراتنا. فغار بهذا العدد المهول من الطائرات على ثلاث دفعات وكان نصيب المنصورة منهم ١٢٠ طائرة من الفانتوم F-4 و Skyhawk. وما أن وصل الانذار الى القاعدة حتى أستعدت طائراتنا الميج ٢١ للقتال وطلبت القيادة مساعدة قاعدتَى أنشاص وأبو حماد. فخرجت ٦٢ طيارة مصرية بخطة محكمة لصد الهجوم ومنع استدراج العدو لطائراتنا بعيدًا عن القاعدة بالمجموعة الأولى من طائراته كما إعتاد مما أربك حساباته. رأيت بعيني طائرات الفانتوم وهى تطير منخفضة جدًا من فوق رأسى وتتبعها طائراتنا كالصقور التى تنقض على الفريسة. شاهدت طائرات العدو وهى تفرغ حمولتها في السماء لتستطيع الفرار سريعًا من طائراتنا ورأيتها وهى تقذف رقائق الالومنيوم. مشهد سينمائي لا يصدقه أحد.
استمرت المعركة أمام عيني وأنا في غاية الدهشة والذهول حوالى الساعة وبالضبط ٥٣ دقيقة كما ذكرت البيانات لاحقًا. خسر العدو فيها ١٧ طائرة ومنهم الطائرة التى أصيبت مباشرة وسقط قائدها بالبراشوت فوق أرض زراعية بدكرنس وكاد الاهالي أن يقتلوه لولا تدخل الطيار المصري الذي سقط هو الآخر في نفس المكان. ويتذكر الكثيرون الطائرة التي سقطت في قرية تاج العز مركز السنبلاوين (وقتها). كان أحد الطيارين المقتولين إبن شقيقة عيزرا وايزمان والذي طالب مصر برفاته. خسرنا ٦ طائرات منهم طائراتين نفذ وقودهما وقال العدو سبعة. إستشهد ٢ فقط من طيارينا. كانت مراوغة الطائرات مدهشة فوق أسطح العمارات وكأن فأرًا تعيسًا وقع في المصيدة وكنا قد إعتدنا على الطيران المنخفض والذي إستشهد بسببه جارنا الشهيد محمد حسين نور أثناء الاستعداد للحرب، لذا سمى شارعنا (شارع بسيم) لاحقًا باسمه.
غيرت معركة المنصورة مسار الحرب تمامًا فلو خسرناها لكنا خسرنا الحرب تمامًا. وأصبح هذا اليوم عيدًا للقوات الجوية. قاد المعركة اللواء أحمد عبد الرحمن نصر قائد اللواء جوي ١٠٤ واللواء محمد حسني مبارك قائد القوات الجوية وكان من أبطالها مقدم طيار حسن خضر ورائد طيار رضا اسكندر والنقباء نصر موسى .رضا صقر . عبد المنعم هنام. ماهر شلبى. محمد على سليمان. حسن صقر. وجارنا بشارع منتصر البطل محمود (ديدي) الصاوي جاري في شارع منتصر. ولا ننسى أبطالًا عظامًا على أرض المطار كالعقيد حمدى مقلد الذي أمدني مشكورًا بالأسماء وكان وقتها مسئولًا عن سرعة اعادة ملئ وسرعة إقلاع الطائرات . ولكل من ال ٦٢ طيارًا الذين شاركوا في المعركة وقيادتهم يجب أن ننحني تقديرًا لبطولاتهم ونطلق أسمائهم على شوارع المنصورة تخليدًا وتقديرًا لبطولتهم. لا ننسى أن محافظ الدقهليه وضع حطام احدى طائرات الڤانتوم بجوار مبني المحافظة في المكان الذي به الآن تمثال أم كلثوم ليشاهده أهل المنصورة. المعركة تدرس في جميع الكليات العسكرية حول العالم كواحدة من أهم معارك الطائرات في التاريخ. تمنيت من كل قلبي أن تقوم المنصورة بعمل متحف خاص يخلد هذه المعركة الفريدة وأبطالها الكرام. لقد أسعدني القدر بمشاهدة المعركة بعينى رأسي من فوق سطح منزلي والتى قرأت عنها لاحقًا سطورًا مضيئة أحببت أن أشراككم فيها لتعرفوا بطولات شعبنا العظيم في ذكري إنتصاره. من منكم شاهدها مثلي ويتذكرها؟
انهيت بهذه المقالة سلسلة مقالاتي الست التي حاولت فيها استعادة الذاكرة الممسوحة لأعظم أيام تاريخنا، والتي أتمنى أن تعلموها لأولادكم وأحفادكم.
د. أسامة حمدي
هذا هو المقال الأخير وكل عام وانتم بخير بمناسبة نصر اكتوبر الخالد
(شارك مع كل من يحب أن يقرأ عن تاريخ مصر وخاصة الشباب)
تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى