مقالات و تقارير

الأهرام الغارقه فى بحيرة قارون

حقيقه ام اسطوره

بقلم عبد المجيد ابراهيم

في قلب منخفض الفيوم… حيث تتداخل الأزمنة كما تتداخل أمواج بحيرة قارون… يختبئ سؤال ظل يراوغ الباحثين والصيادين والمستكشفين على مدى قرون:

هل يوجد هرمٌ… أو ربما هَرَمان… في أعماق البحيرة؟

مجرد الجملة نفسها كفيلة بإشعال الخيال، خاصة عندما نتحدث عن أرض كانت مهدًا لواحدة من أعظم الحضارات التي عرفها التاريخ.

لكن هل هي حقيقة تنتظر من يزيح عنها الستار؟ أم أسطورة صُنعت من ضباب الحكايات القديمة؟

١ — بداية الحكاية: البحيرة التي تلمع فوق سرّ مظلم

بحيرة قارون ليست مجرد صفحة ماء واسعة تتلألأ تحت شمس الصحراء…
إنها بقايا بحيرة موريس الأسطورية، التي أنشأها ملوك مصر القدماء، وحملت على ضفافها حضارة كاملة.

هنا… يشعر الزائر بأن المكان ليس ساكنًا كما يبدو.

هناك شيء ما… كأنّ المياه تحفظ ذاكرة لا تريد أن تُروى.

٢ — جغرافيا تحمل أثر الزمن

تمتد البحيرة على مساحة واسعة، ويصل عمق مناطق منها إلى ما يقرب من 12 مترًا.
مع مرور القرون، تغيّر كل شيء تقريبًا…
الملوحة ارتفعت، الحياة المائية تبدلت، والتوازن البيئي اختل بفعل الزمن

لكن شيئًا واحدًا لم يتغير:
الأسطورة.

٣ — الأسطورة تبدأ مع  هيرودوت

المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت… الرجل الذي جاب مصر منذ آلاف السنين وكتب عنها أكثر مما كتب عن أي أرض أخرى.

عندما وصل إلى منطقة البحيرة، نقل وصفًا غريبًا…
قال إن بحيرة موريس – القديمة – كانت تحتوي على بناء ضخم يشبه هرمين، يعلوهما تمثالان:
أحدهما يمثل ملكًا مصريًا، والآخر يمثل الملكة.

هذه الرواية كانت بذرة الأسطورة… ومنها خرجت كل الحكايات اللاحقة.

هل كان هيرودوت يرى شيئًا حقيقيًا؟

أم كان يصف ما نقله له أهل المنطقة؟

أم تراه أساء تفسير مشهد طبيعي ظنه بناءً معماريًا؟

ام ان هناك بناء له علاقه بما جاء فى القرأن عن انخساف قارون وداره ؟

٤ — من الأسطورة إلى وجدان الناس

عبر القرون، تحولت الرواية إلى حكاية يتناقلها سكان الفيوم والصيادون:
– هرم غارق في منتصف البحيرة…
– قمة تظهر أحيانًا تحت ضوء معين…
– خزان هائل يضم أسرارًا من زمن الملك أمنمحات الثالث…

بعض الحكايات تضيف للهرمين كنوزًا، وبعضها تلمح إلى غرف سرية، وآخرون يروون سماعهم لصدى غريب تحت الماء أثناء ليالي الهدوء التام.

أساطير… نعم.
لكنها أساطير لا تنجو إلا إذا كان في أعماقها شيء يستحق الحياة.

٥ — صوت العلم: تفنيد أم توضيح؟

مدير آثار الفيوم السابق، الدكتور أحمد عبدالعال، خرج أكثر من مرة ليقول إن لا دليل أثري واحد يؤكد وجود هرمين حقيقيين تحت الماء.

وأوضح أن ما رآه هيرودوت ربما كان منصات حجرية أو قواعد تماثيل، تظهر فوق سطح الماء في ذلك الزمن عندما كان منسوب البحيرة مختلفًا.

باحثون آخرون أكدوا أن البحيرة كانت ذات نظام هندسي دقيق، ربما جعل الأجانب يظنون أنها تحتوي على مبانٍ ضخمة أو منشآت مائية فوق العادة.

ومع ذلك…
لا توجد حتى الآن غوصات أثرية رسمية المسح المائي المتطور، أو دراسات جيولوجية دقيقة تبحث عن آثار ضخمة في القاع.

وهذا يترك بابًا صغيرًا… لا يُغلق.

٦ — لماذا نحب الأسطورة؟

لنسأل أنفسنا… لماذا تعيش هذه القصة رغم غياب الأدلة؟

لأن المصري القديم لم يكن حضارة عادية.

كلما اعتقدنا أننا عرفنا عنه الكثير… خرج إلينا بسر جديد يغير ما نظن أننا نفهمه.

لأن فكرة “هرم غارق” ليست بعيدة عن خيال الإنسان…
بل عن ذاكرة الحضارة نفسها.

المدن الغارقة موجودة بالفعل في الإسكندرية، وفي أبو قير، وفي أماكن كثيرة حول العالم.
فلماذا لا تكون البحيرة — أيضًا — شاهدة على حقبة ضائعة أو بناء اندثر مع تغير الجغرافيا؟

٧ — البحيرة اليوم: بين التراث والتهديد

بعيدًا عن الأسطورة، تبقى بحيرة قارون واحدة من أهم المحميات الطبيعية في مصر.

طيور نادرة… بيئة جيولوجية فريدة… تلال صخرية تحمل حفريات من ملايين السنين…

المكان ليس مجرد مياه، بل أرشيف طبيعي مفتوح للباحثين.

لكن البحيرة تواجه تهديدات حقيقية:
– ارتفاع الملوحة
– نقص توازن الحياة المائية
– تأثير الصرف الزراعى

وكأن الطبيعة نفسها تنبهنا:
“إذا أردتم الوصول إلى أسراري… حافظوا أولًا على ما تبقّى مني.”

٨ — منطق العلم… وسحر الغموض

حقيقة الهرمين – إن وُجدا – تحتاج إلى دراسة علمية جادة:
مسح راداري… غوص أثري… دراسة طبقات القاع…

وربما تكشف الأبحاث أن الأسطورة مجرد رواية شعبية مستمرة.

وربما…
وربما…

وهذا ما يجعل الموضوع مثيرًا

يتبين أن خلف الظلال التي اختلطت برمال الزمن…
شيئًا ما كان موجودًا فعلاً.

٩ — أخيرا بين الحقيقة والأسطورة

في عالمٍ يتخلص من أسراره واحدًا تلو الآخر…
تبقى بحيرة قارون بقصتها الغامضة و”هرميها المحتملين” نافذة نادرة على ذلك الشعور القديم:

أن التاريخ ما زال قادرًا على المفاجأة.

ربما لا نعرف اليوم الحقيقة الكاملة…
وربما لن نعرف غدًا…

لكن الغموض نفسه… هو ما يعطي للمكان هيبته وصوته وقلقه وشهرته.

وربما — من يدري —
يومًا ما…
قد يغوص إنسان واحد في المكان الصحيح…
فتخرج من أعماق البحيرة قصة جديدة… تكشف ما ظل مختبئًا لآلاف السنين.

إلى ذلك الحين… تظل البحيرة صامتة… وتظل الأسطورة حيّة.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى