عربى و دولى

ذكريات حرب اكتوبر الجزء الخامس دكتور اسامه حمدى

شهادة للتاريخ والذاكرة الممسوحة…!!!

المقال الخامس
في سلسلة الطريق الى اكتوبر: شهادة للتاريخ والذاكرة الممسوحة…!!!
“الثغرة بين البروباجندا والحقيقة!”
الثغرة هى من أهم المواضيع الشائكة والتي يرويها كل فريق في حرب اكتوبر ١٩٧٣ من وجهة نظره، ويعتبرها العدو انتصارًا باهرًا لقواته، ويشير أنه عادَل بها صدمة عبور القناة بخسائرها الجسيمة، في حين يقول الجانب المصري: أنها لم تكن بهذا القدر من المبالغة، وكان من المؤكد إمكانية القضاء عليها بسهولة، فأين الحقيقة؟ حاولت لسنوات عديدة البحث عن الحقيقة من عشرات المصادر الخارجية وليست المصرية فقط، لأكتشف ما لا يعرفه إلا القليلون الآن عن هذه الثغرة، وحجمها وتأثيرها، ومصيرها.
موقع الثغرة هو المكان الواقع بين مدينة الاسماعيلية وشمال البحيرات المرة، وقد حددته بدقة للعدو طائرات الاستشعار الأمريكية التي كانت تحوم فوق المنطقة لتحدد أقل الأماكن كثافةً للجنود المصريين. وحين وضع الفريق محمد فوزي الخطة “جرانيت”، والتي نفذها الجيش المصري في ٧٣، حدد نقطة الضعف الوحيدة التي يمكن أن يشن منها العدو هجومًا مضادًا عند منطقة الدفرسوار، ودرب الجيش على سدها إن حاول.
بعد أن عبرت قواتنا القناة واستولت على معظم الشاطئ الشرقي للقناة، واقتحمت كل النقاط الحصينة في خط بارليف، قرر العدو، بعد أن جاءته شحنة غير مسبوقه من المساعدات العسكرية الأمريكية لترفع معنوياته، وبعد أن دمر ٢٥٠ دبابة مصرية في ١٤ اكتوبر بعد مجازفتها بالخروج خارج نطاق مظلة الدفاع الجوي؛ كما ذكرت من قبل، أن يعبر القناة الى الاتجاه الغربي بانشاء رأس كوبري عند منطقة الدفرسوار، ويتحرك بالقوات العابرة شمالًا للاستيلاء على مدينة الاسماعيلية، وجنوبًا لمحاصرة الجيش الثالث والاستيلاء على مدينة السويس. ولكن جرت الرياح بغير ما تشتهي السفن، فلكي تصل قوات العدو الى مكان العبور، عليها أن تواجه القوات المصرية في منطقة زراعية اسمها “المزرعة الصينية”، فكانت مجزرة شرسه للفريقين، ومن أعنف المعارك المباشرة التي عرفها التاريخ على الاطلاق. ولكن نجح العدو في اقامة المعبر، والذي عبرت من خلاله مدرعاته الى الشاطئ الغربي للقناة بثلاثة فرق، حاولت الأولى اقتحام الاسماعيلية ولكنها فشلت فشلًا ذريعًا بعد أن تصدت لها قوات الصاعقة وكبدتها خسائر فادحة. تدخلت الأمم المتحدة لايقاف القتال في ٢٢ اكتوبر، وهو ما بادرت مصر لتطبيقه وفتحت مطار القاهرة، الا أن العدو استغل الفرصه وخرق قرار وقف اطلاق النار وأدخل أكبر عدد من الدبابات والمدرعات الى غرب القناة، لتصل الى ٤٠٠ دبابة ومدرعة؛ بما يعني أنه يدبِّر لمعركة جديدة، وتوسعت قواته في الثغرة. أحست مصر بخديعة وقف اطلاق النار حين وجدت العدو يطور هجومة جنوبًا في محاولة لغزو السويس وحصار الجيش الثالث وقطع امداداته. ولكن محاولات العدو الثلاث في ايام ٢٣، ٢٤، و٢٥ اكتوبر لاقتحام السويس باءت جميعها بالفشل الذريع، وذلك لاستبسال حاملي الأربيچي المضاد للدبابات، وكلنا يتذكر الرقيب محمد عبد العاطي “صائد الدبابات”، والذي دمر وحده ٢٣ دبابة و ٣ مجنزرات للعدو، ودخل برقمه القياسي في الموسوعة الحربية.
بقى العدو على حدود السويس، وتقدمت القوات المصرية من القاهرة لتغلق طريق السويس عند الكيلو ١٠١ وتحيط بالثغرة بعدد ٤٠٠ دبابة ومدرعة، وقام العدو بزراعة آلاف الالغام حول مواقعه. ولكن قبل موعد وقف اطلاق النار الثاني في ٢٦ اكتوبر، حاول العدو اقتحام مدينة السويس للمرة الرابعة، وفشل أيضًا، ثم ادعى وقتها أنه يحيط بالجيش الثالث ويدعوه للاستسلام، والكل يعرف يقينًا انها بروباجندا، فالجيش الثالث مازال بقوته شرق القناه، وتصله المعونات بالزوارق والهليكوبتر ليلًا والمياة من عيون موسى. قررت مصر القضاء تمامًا على قوات الثغرة وبدأت حرب الاستنزاف الثانية في أول نوفمبر ١٩٧٣، وأرسلت الجزائر ١٤٠ دبابة، وأرسلت يوغوسلافيا ١٥٠ دبابة، وأرسل الإتحاد السوفيتي ٢٥٠ دبابة، ليصل العدد الى ٨٠٠ دبابة ومدرعة؛ تحيط بالثغرة من كل جانب في مقابل ٤٠٠ دبابة ومدرعة للعدو، وورائهم مانع قناة السويس، وأصبح الإمداد لجنود الثغرة يمر مسافة ٣٠٠ كيلو متر في مضيق عرضه لا يتجاوز ٦ كيلو مترات فقط.
احس العدو أنه في مصيدة مؤلمة أوقع نفسه فيها ولا يستطيع حتى الرجوع منها الا بخسائر فادحة. في ١٣ ديسمبر قررت مصر سحق الثغرة تماما في الخطة “شامل” بقيادة الفريق سعد مأمون قائد الجيش الثاني. والخطة كانت تهدف الى قطع الامداد تمامًا للثغرة باطباق الجيش الثاني من الشمال والجيش الثالث من الحنوب على الممر الضيق للامداد، ثم هجوم القوات المحيطة بالثغرة من كل صوب، والتي كانت وصلت الى ١٠٠٠ دبابة غرب القناة، مضافة لامكان الامداد ب ٦٠٠ دبابة أخرى كانت تحمي القاهرة، مع ٢٠٠٠ مدرعة وعربة عسكرية، و٥٠٠ طائرة، و١٣٠ بطارية صواريخ سام. وأصبح من المؤكد انه اذا نفذت القوات المصرية خطتها، لحدثت مذبحة في جنود العدو وحققت هزيمة مُذلة يتذكرها مدي الحياة.
لذا سافر كيسنجر الى القاهرة مذعورًا، وأكد أن أجهزه استشعارة الأمريكية تعرف خطورة الموقف على قوات العدو المحاصرة، وهدد السادات صراحًة بأن أمريكا لن تسمح بأن ينهزم العدو بسلاحه الأمريكي من المصريين بسلاحهم الهجومي الروسي، ونصحه بوقف القتال وفض الاشتباك والذي تم فعلًا في التاسعة صباحًا يوم ١٧ يناير ١٩٧٤، ليرتد بعدها العدو المرعوب آمنا الى شرق القناة، وتنتهي بذلك أروع ملحمة للبطولة كتبها بحروف من نور الجيش المصري الباسل ومن خلفه الشعب المصري العظيم بأكمله.
د. أسامة حمدي
الى اللقاء في المقال السادس والأخير
تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى