صحة و جمالغير مصنف

الكوليسترول قاتل أم بريء؟

القول الفصل

القول الفصل: الكوليسترول…قاتل أم بريء؟

سألني الكثيرون: ما صحة ما يُتداول في الإعلام المصري ووسائل التواصل بأن الكوليسترول بريء من الإصابة بجلطات القلب والشرايين، ولا داعي للعلاج منه، وأن منظمة الزراعة الأمريكية رفعته من قائمة المحضورات؟ ولقد استدل البعض ببعض كلماتي ومحاضراتي بأن القشطة والسمن البلدي غير ضارين،

وقالوا: أهلًا بأكل كل ما يرفع الكوليسترول؛ فلا خطورة منه!

الحقيقة أن الأمر اختلط على الكثيرين، حتى على الأطباء منهم. وللتوضيح الشديد والبسيط نقول:

١- ارتباط الكوليسترول بجلطات القلب والشرايين هو ارتباط وثيق لا يساوره الشك، بمعنى أن ارتفاع الكوليسترول وتركه بدون علاج سيؤدي حتمًا الى انسداد شرايين القلب والدماغ والأطراف، خاصة إذا كان الشخص مدخنًا، أو مصابًا بالبدانة أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكر. وخفض الكوليسترول الضار LDL بالتأكيد يؤدي إلى خفض فرص الإصابة بجلطات القلب والدماغ، وخاصة عند مرضى السكر.

٢- مصدر الالتباس كان عن مصدر ارتفاع الكوليسترول، وليس عن خطر الكوليسترول؛ فكوليسترول الدم الضار LDL يأتي من زيادة إنتاجه من الكبد، وليس له حل طبي سوى العلاج بمخفضات الكوليسترول المعروفة بالإستاتين statin، أو بعض الأدوية الحديثة بالحقن. أما الكوليسترول في الطعام، كالموجود في البيض والكبد والكلاوي والمخ والجمبري، وغير ذلك من القشريات البحرية، فمساهمته قليلة في كوليسترول الدم لصعوبة امتصاصه من الأمعاء، فتأثيره لا يزيد على ١٠- ١٥٪؜ من كوليسترول الدم، وهو ما وجدت هيئة الزراعة الأمريكية عام ٢٠١٥ أنه لا داعي لتحديد كميته في الأكل لأقل من ٣٠٠٠ مجم يوميًّا كما كان معهودًا ومنصوحًا به من قبل، وهو ما طالبت به لسنوات أنا وكثير من زملائي من الخبراء في التغذية الطبية، وهو ما رُفِعَ فعلًا من التوصيات، فيمكن للشخص البالغ أن يتناول بيضة أو اثنتين مسلوقتين يوميًّا بلا خوف. وللتأكيد مرة ثانية، هذا ليس معناه أن الكوليسترول غير ضار، ولكن زيادته من هذا المصدر (البيض) ضئيلة.

٣- مصدر اللبس الآخر كان في خطورة الدهون المشبعة، وعلاقتها بجلطات القلب والدماغ؛ لأنها ترفع الكوليسترول الضار في الدم. وللتوضيح: الدهون المشبعة لا تحتوي على الكوليسترول، ولكن تناولها بكثرة يرفع مستوى الكوليسترول الضار في الدم بنسبة كبيرة. وتأتي الدهون المشبعة من مصدرين رئيسين، أولهما اللحوم، والثاني منتجات الألبان الكاملة الدسم. فالدهون المشبعة من اللحوم تزيد -بلا شك- فرص الإصابة بجلطات القلب والشرايين، كما أن اللحوم نفسها -خاصة المخلقة منها كاللانشون والهوت دوجز وغيرها- تزيد فرص الإصابة بالسكر من النوع الثاني؛ لذا فللوقاية من أمراض شرايين القلب والمخ يجب نزع دهن اللحوم الحمراء، والامتناع تمامًا عن أكل اللحوم المُخَلقة processed meat. ولتقليل فرص الاصابة بالسكر ينصح بالإقلال من أكل اللحوم الحمراء ككل إلى مرة أو مرتين في الأسبوع كما كنا نأكل قديمًا، والامتناع عن اللحوم المخلقة كليًّا. أما المصدر الآخر للدهون المشبعة، وهو منتجات الألبان، كالزبادي والجبن والقشدة والسمن البلدي، فهي ذات فائدة، على عكس الدارج، ولا تزيد أمراض شرايين القلب والدماغ كما كان معتقدًا، وقد أثبتت أبحاثنا الحديثة ذلك. ومعنى ذلك أنه يمكنك تناول منتجات الألبان العالية الدسم بدون خوف، ولكن احذر الكمية حتى لا يزيد وزنك؛ ومن ثم تزيد فرصة إصابتك بمرض السكر وأمراض القلب، المرتبطة أيضًا بزيادة الوزن.

٤- يبقى نوعان من الدهون أولهما قاتل جدًّا، والآخر مفيد جدًّا! أما القاتل جدًّا فهو الزيوت المهدرجة، كالسمن الصناعي، والموجود في جميع المعجنات، كالتورت والكحك ومعظم الحلويات، والبسكويت، والبطاطس المحمرة، والمقليات، ويكفي تناول جرام واحد منه يوميًّا ليزيد فرصة حدوث جلطات القلب بنسبة ٩٣٪؜ كما أثبتت كلية هارفارد للصحة العامة. ومع الأسف، مصر وباكستان أعلى دولتين في العالم في استهلاك هذا السمن المصنع من الزيوت المهدرجة، الذي منعته تمامًا كثير من الدول المتقدمة لخطورته الشديدة. أما الدهن المفيد فهو القادم من زيت الزيتون والكانولا والأفوكادو، وهي الزيوت الوحيدة التي تخفض الكوليسترول الضار، وترفع الكوليسترول الحميد في الدم. ومن أفضل الدهون أيضًا دهن السمك، الموجود بكثرة في السمك البوري المصري والقراميط وغيرهما من الأسماك الدهنية، فهو يخفض مستوى الترايجليسرايد triglycerides في الدم، كما أن به مادة الـEPA المضادة للالتهاب في الجسم، والموجودة في دهن الأوميجا ٣ omega-3، والمتوافرة في دهون الأسماك. والأبحاث الحديثة أثبتت أن تناول الـEPA من دهون السمك يقلل الإصابة بجلطات القلب بنسبة ٢٥٪؜. فرحم الله آباءنا حين كانوا يصرون على تناولنا ملعقة زيت السمك المر كل يوم قبل الذهاب إلى المدرسة.

٥- نصائحي إليكم:
– النصيحة الأولى: أكثِرْ من أكل الأسماك الدهنية، أو تناول زيت السمك، وأكثر من زيت الزيتون والكانولا، ولا مانع من أكل البيض المسلوق، بمعدل بيضة أو بيضتين يوميًّا. كما أنه لا مانع من شرب اللبن الكامل الدسم، وتناول منتجات الألبان كالجبن والقشدة والسمنة البلدي، ولكن باعتدال شديد لزيادة سعراتها الحرارية؛ مما قد يزيد الوزن. وأفضل منتجات الألبان هي: الزبادي والجبن المخمر، كالجبن الأزرق والرومي، وحتى المش، لاحتوائها على بكتيريا اللاكتوباسيلس lactobacillus المفيدة للجهاز الهضمي، وللصحة عامةً.

– النصيحة الثانية: امتنع تمامًا عن دهون اللحم، وتوقف عن أكل الدهون المخلقة، كاللانشون والهوت دوجز وغيرهما، ولا تدخل بيتك بتاتًا السمن الصناعي المهدرج، وكل ما دخل فيه السمن الصناعي المهدرج، وتوقف عن المحمرات في الزيوت والسمن الصناعي، كالبطاطس الشيبس، وغيرها. وإذا أكلت اللحوم الحمراء فلا تزد على مرتين أسبوعيًّا، مع نزع الدهن. وأكرر: توقف عن أكل اللحوم المخلقة، كاللانشون والهوت دوجز والبلوبيف، إذا كنت تريد أن تتمتع بقلب صحيح، وشرايين سليمة.
هذه رسالتي العلمية إليكم فإن وجدتم فيها فائدة فأرسلوها إلى أصدقائكم حتى يعمّ النفع!
أ.د أسامه حمدى

أستاذ السكر بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى